سلايدرمقالات الرأى

إبراهيم نوار يكتب .. وباء كورونا بمصر .. لم نصل للذروة بعد

 

من الطبيعي أن ينال مصر نصيب من وباء يجتاح العالم، وليس من المنطقي إنكار ذلك أو محاولة إخفائه. لكن الحال كان غير ذلك، نظرا لتردي مستوى الحوار الوطني، ولجوء الأطراف المتصارعة سياسيًا إلى استخدام مثل هذه الوقائع او التطورات كأسلحة سياسية في الصراع ضد الخصم، ومحاولة إثبات فشله والطعن في مصداقيته.

ولذلك فإن الأمر احتاج إلى ما يقرب من ثلاثة أسابيع من محاولات التغطية منذ إعلان حالة الإصابة الأولى بالفيروس إلى الإعلان عن حالة الوفاة الأولى. في الحالتين كان المصاب الأول مواطنًا أجنبيًا، وكأن المتوفي الأول أجنبيا كذلك.

لكن المشكلة الحقيقية التي تواجه الباحث عن الحقيقة من وجهة نظري، ليست هي الإنكار ومحاولات التغطية، ولكنها مشكلة ضعف مصداقية البيانات والتشوهات التي تحملها. هذه المشكلة توجد في العالم كله، من الصين إلى الولايات المتحدة.

وقد انفجرت مشكلة عدم مصداقية الإحصاءات في دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا أوائل شهر أبريل، عندما اضطرت الحكومة في كل من بريطانيا وفرنسا إلى الاعتراف بأن الإحصاءات الرسمية عن العدوى والوفيات بفيروس كورونا تقتصر فقط على الحالات التي يتم الكشف عنها وتسجيلها في المستشفيات. وكان عدد من المنظمات الخيرية ودور رعاية المسنين قد كشف عن وجود عدد كبير من الوفيات بالفيروس لا تشملها الإحصاءات الرسمية. وأدي انفجار هذه المشكلة الي حفز أجهزة الإحصاء الرسمية للتدخل من أجل تصحيح أعداد الوفيات على وجه الخصوص، ونتج عن ذلك تعديل أعداد الوفيات بالزيادة بنسب تتراوح بين 10% إلى 40%.

شكوك إحصائية

مشكلة عدم دقة الإحصاءات في مصر خلقت أزمة أدت إلى طرد مراسلة صحيفة (الجارديان) البريطانية في وسط مارس الماضي، بسبب نشر دراسة أجرتها جامعة تورنتو الكندية. الدراسة قدرت عدد المصابين بالفيروس في مصر بأضعاف العدد المعلن رسميًا، وهو أمر تعتبره أي حكومة في دولة من دول العالم الثالث طعنًا في شرفها. لكن مسألة الطعن في الإحصاءات طالت الكثير من البلدان المتقدمة، وتسبب ذلك، في تلك البلدان، في الإفصاح عن طرق إعداد البيانات، وساعد في الوقت نفسه على تعديل هذه الطرق، بما يجعل الأرقام أقرب إلى الواقع بقدر الإمكان.

وكان من أهم بيانات الإفصاح ان الحكومة في بريطانيا مثلا أصبحت تحرص على ذكر ان أعداد المصابين والمتوفين المعلنة، هي تلك المسجلة في المستشفيات فقط، ولا تضم أعداد المتوفين خارجها، سواء في دور رعاية المسنين أو في البيوت. ومن أجل محاولة جعل البيانات أقرب إلى الواقع، حتى وإن لم تتطابق معه تمامًا، قررت مكاتب الإحصاءات، خصوصًا مكتب الإحصاءات القومية في بريطانيا، تقديم حزمة جديدة من الأرقام تتضمن أعداد المتوفين بفيروس كورونا في مؤسسات رعاية المسنين، وفي الأحياء والبلديات. إذا كان مدونًا في شهادات الوفاة أنهم ماتوا بفيروس كورونا.

لكن ذلك لا يضع حدا للشكوك في الإحصائيات. ونحن نعرف أن منظمة الصحة العالمية تتلقى معلوماتها الرسمية من الدول الأعضاء عن طريق وزارة الصحة في كل دولة. وتأتي المعلومات المتاحة لدى وزارة الصحة من المستشفيات والإدارات الصحية الخاضعة لها. هذا يعني عمليًا أن الوزارة لا تستطيع مباشرة الحصول على بيانات طبية من مستشفيات غير خاضعة لولايتها. وتظهر هذه المشكلة بصورة جلية في الولايات المتحدة. ولذلك فإن الإحصاءات المتعلقة بانتشار فيروس كورونا هناك ناقصة ومشوهة ومتضاربة. السبب في ذلك يعود إلى التشوهات الموجودة في نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة.

أعود إلى مصر لتوضيح ذلك، حيث يتكون نظام الرعاية الصحية من مؤسسات علاجية ومستشفيات وإدارات تابعة لوزارة الصحة، ومستشفيات ومؤسسات علاجية تابعة للعاملين في أجهزة أو مؤسسات مستقلة عن الوزارة، مثل مستشفى العاملين في السكك الحديد، وأخرى تابعة للجامعات وهي المستشفيات الجامعية، وثالثة تابعة للقطاع الخاص، وأخرى تابعة للقوات المسلحة، وغيرها تابعة لهيئة الشرطة. وباستثناء المستشفيات والإدارات التابعة لوزارة الصحة، ليس للوزارة ولاية على غيرها، ولا أظن أنها تحصل على أرقام منها بخصوص الإصابات والوفيات. الأمر لا يقف عند ذلك الحد لأننا جميعا نعرف وجود ميل اجتماعي إلى إخفاء الإصابة بالمرض، وتفضيل التعامل معه منزليًا على أمل الشفاء بلا ضجيج، أو الموت وسط الاهل وليس في مستشفى معزول، والدفن في كرامة وليس وسط حالة من الفزع والهلع.

لهذه الاسباب، التي أقول انها لا تقتصر على مصر، ولا تقتصر على الدول النامية، وإنما هي موجودة في كل دول العالم، فإن الإحصاءات لا تعبر عن الحقيقة. وبما أن الحكمة تقول أن من لا يدرك الحقيقة كلها لا يتركها كلها، فإن جمهور الباحثين يستخدم الإحصاءات المتاحة على عيوبها كمؤشرات تدل على اتجاه، وليس كقيم للقياس المطلق. ويستطيع الباحث الملم بتقنيات الاحصاء أن يفرز الأرقام بقدر المستطاع، لتحقيق أفضل النتائج الممكنة، ليس للتعرف على القيم المطلقة للإصابات أو الوفيات، ولكن لاستنتاج الاتجاه الذي تسير فيه الظاهرة موضوع الإحصاء.

لم نصل للذروة بعد

أعلنت مصر عن أول إصابة مؤكدة بفيروس كورونا في 14 فبراير 2020. كان الشخص المصاب يحمل الجنسية الصينية. وتم إبلاغ منظمة الصحة العالمية بالحالة. وفي 8 مارس أعلنت وزارة الصحة أول حالة وفاة بعد نحو ثلاثة أسابيع من الجدل بشأن مدى انتشار العدوى بالفيروس في مصر. في اليوم نفسه بلغ عدد المصابين بالفيروس 53 شخصا من المصريين والأجانب. وخلال شهر منذ تم إعلان أول حالة وفاة، ارتفع عدد الوفيات إلى أكثر من مئة حالة؛ ففي يوم 8 أبريل بلغ عدد حالات الوفاة المعلنة رسميا 103 حالات.

وقد احتاجت مصر بعد ذلك إلى عشرة أيام فقط لكي يتضاعف لديها عدد الوفيات بفيروس كورونا، ففي 17 أبريل بلغ العدد المعلن للوفيات 205 حالات. وبعد ما يقرب من أسبوع اقترب رقم الوفيات من 300 حالة مسجلا 294 حالات في 24 أبريل الحالي.

أما المصابين بالفيروس الذين مازالوا تحت العلاج في المستشفيات، فإن عددهم تضاعف خلال الأسبوع الأول من مارس، ليقترب من 100 مصاب مقابل 53 في بداية الأسبوع. وبعد خمسة أيام زاد عدد المصابين بأكثر من الضعف ليصل إلى 235 في 20 مارس. ومنذ ذلك الوقت يحقق عدد الحالات الموجبة النشطة زيادة سريعة، إذ بلغ 340 في 25 مارس، ليصل إلى 2723 في 24 أبريل بزيادة 700% خلال أربعة أسابيع.

ارتفاع معدل الزيادة في المرحلة الأولى من الإصابة بالفيروس يعكس دالة العدوى التي تزيد بزيادة عدد المصابين. فإذا افترضنا أن لدينا مصابا واحدا فقط، وأن معدل انتشار العدوى يبلغ 3 أشخاص مقابل كل شخص مصاب، فإن الشخص الأول سيصيب بالعدوى ثلاثة أشخاص، وسيتكفل كل واحد منهم بإصابة ثلاثة أشخاص آخرين.

ولقياس معدل انتشار العدوى من الشخص المصاب إلى الأشخاص غير المصابين، ووضع استراتيجية لاحتواء الفيروس والقضاء على خطره، ابتكر علماء الاوبئة (مُعامل العَدوى) ويرمز إليه بالرمز R مذيلا بقيمة الإصابة التي تقدر في حالة فيروس كورونا ب 3.

وفي استراتيجية مكافحة الفيروس يكون الهدف هو النزول بقيمة معامل العدوى من مستواها الفعلي (غالبا في حدود 3) إلى أقل من واحد صحيح، عن طريق حزمة من القيود والإجراءات الاحترازية والفحص والرصيد والتتبع والعزل والعلاج.

إذا نجحت استراتيجية احتواء المرض، فإن ذلك النجاح يظهر جليا في شكل منحنيات قياس انتشار الفيروس، العدوى والعلاج في المستشفيات، والعلاج في وحدات العناية المركزة، ثم اخيرا الوفيات. وحتى يستطيع الشخص العادي قراءة دلالات المنحنيات، ويستطيع صانع السياسة معرفة مدى تأثير الإجراءات الاحترازية، فإن المنحنيات الأربعة او كل واحد منها، تمر بالمراحل الثلاثة التالية:

– المرحلة الأولى هي مرحلة التسارع في معدل زيادة الإصابة acceleration ، وتتمثل في ارتفاع نسبة الزيادة في قيمة المعامل R.

– المرحلة الثانية لشكل المنحنى هي مرحلة الاستقرار والثبات أو (التسطيح) flattening وهي لا تحدث تلقائيا، وإنما هي تحدث نتيجة سياسات تدخلية متعمدة لتقليل انتشار الفيروس، منها التباعد الاجتماعي، ومنها العزل او الحجر الصحي، ومنها الفحص والرصد والتتبع ومنها العلاج. في هذه المرحلة تخفض قيمة معدل انتشار العدوى إلى أقل من واحد صحيح، وهو ما يعني أن الاعداد المطلقة للمصابين تنخفض، حيث تقل نسبة المصابين الجدد إلى المصابين الفعليين في كل وقت عند الاحصاء، وهو ما يؤكد فاعلية الإجراءات الاحترازية.

– وفي المرحلة الثالثة يبدأ شكل المنحنى في التغير من الثبات تقريبا إلى الهبوط المستمر steep declining ، وهو ما يعكس حقيقة أن معامل انتشار العدوى R يقترب من الصفر. في الوقت الحاضر نستطيع أن نري هذه الصورة للمنحني بوضوح في بلدان مثل الصين وكوريا وألمانيا، حيث يقل عدد الإصابات الجديدة عن بضعة أشخاص.

في حالة مصر فإن الارتفاع في معدل زيادة الوفيات، ومعدل زيادة الحالات النشطة في مصر، يدعونا إلى الاستنتاج بأن انتشار العدوى بالفيروس في مصر لم يصل إلى الذروة بعد. ويجب أن نشير إلى أن الأرقام اليومية للإصابات الموجبة النشطة، وللوفيات تحمل معها الكثير من التشوهات ومن التذبذب، ولكنها ما تزال بشكل عام تجري في منحنى صاعد.

ولا نستطيع في الوقت الراهن أن نصدر حكما بأن العدوى بالفيروس وصلت إلى ذروتها، مما يمهد السبيل لانحسار خطره. ولا يمكن التأكد من ذلك إلا بعد أن تظهر مؤشرات العدوى والعلاج في المستشفيات، والعلاج في وحدات العناية المركزة، ثم الوفيات، اتجاها نزوليًا مستقرًا لفترة متصلة تترواح بين أسبوع إلى إسبوعين، وهي فترة حضانة الفيروس.

إن هذا الاستنتاج الذي توصلنا إليه يعني أنه من المبكر جدًا التراخي في تطبيق الإجراءات الاحترازية، كما يعني ضرورة أن تقود الحكومة حملة توعية نشطة وقوية للتحذير من خطر الاستهتار بهذه الإجراءات وعدم الالتزام بها من جانب الأفراد. كل فرد في مصر يجب أن يعلم أنه هو المسؤول الأول عن روحه وعن حياته، وليست الحكومة.

اريد أن أضيف هنا أيضا إلى اننا بذلنا فعلا مجهودا كبيرا للحد من انتشار العدوى، خصوصا في يومي شم النسيم، وهو ما سنشهد اثره في احصاءات الاسبوع القادم، هذا المجهود لا يجب أن نهدره بالاستهتار والعجلة في العودة إلى الحياة العادية. ومن الضروري تعزيز إجراءات السلامة والوقاية الشخصية على مستوى الأفراد، ويمكن تحقيق ذلك بتخفيف الزحام، والحرص على ارتداء كمامة على الفم والأنف، والعناية بالنظافة الشخصية ونظافة البيوت إلى أقصى حد ممكن، خصوصا فور العودة من العمل أو بعد قضاء حاجات تسوق خارج المنزل. فيروس كورونا ليس غولًا مخيفًا إذا استطعنا ترويضه، وقد استطاع غيرنا فعلا، ويتعين علينا أن نتعلم منهم.

اقرأ أيضًا 

هل تخطط الحكومة لاستبدال العملات الورقية بـ “بلاستيك”؟

صينية تبتكر كمامات شفافة لتسهيل ترجمة مؤتمرات كورونا للغة الإشارة

 

مقالات ذات صلة

ما تعليقك على هذا الموضوع ؟ ضعه هنا

زر الذهاب إلى الأعلى