سلايدرمقالات الرأى

عبد الله السـبع يكتب .. هل أنصفَ الفنُ المعاقين؟

هل أنصفَ الفنُ المعاقين؟

الفن الذي أقصده هنا؛ هو: “فن التشخيص” – كما كان يُطلَق عليه عند نشأته – والمقصود به: تقمُّص الممثلين لشخصيات مختلفة، وتجسيدها في أعمال فنية. وقد ظهرت الفنون تاريخيًّا كالتالي: المسرح، ثم السينما، فالدراما التلِڨزيونية.

والمعاقون الذين أقصدهم هم فئات: فاقدي البصر، أو الإعاقات الحركية، أو الصم والبُكم، أو ذوي الإعاقات الذهنية.

وعلىٰ حدِّ عِلمي؛ فلم يُقدِّم الكُتَّابُ والمنتجون والممثلون تلك الفئات بالشكل المرجو. ولم يرصد الفن معاناتهم مع الإعاقة؛ باعتبارهم نماذج إنسانية تحتاج إلىٰ اهتمام المجتمع. ولا جدال أن فئات المعاقين؛ جرىٰ تجسيدهم في عدد من الأعمال الفنية.. لكن الأعمال التي كانت شخصية المعاق فيها هي الشخصية المحورية التي تدور حولها أحداث العمل الفني؛ كانت أعمالا فنية شحيحة!

ربما أتذكر عملا أو أكثر أعطىٰ مساحة معقولة نسبيًّا للمعاق، وكانت إعاقته وما تَجره عليه من متاعب هي محور العمل الفني.. لكن قبل أن أعرض لتلك الأعمال؛ أحبُّ أن أرصد هنا عَـينَّـة من أشهر الأعمال الفنية التي جرىٰ فيها تجسيد شخصية أحد ذوي الاحتياجات الخاصة في عمل فني خلال الستين عامًا الماضية، وقد رتبتُ تلك الأعمال بحسب إنتاجها زمنيًّا.. من خلال الجدول المرفق.

 

                            

                     التصـنيـــف

                       الفـنــــي:

                         الفني:

الإعـــاقــة

مسـرحـيـات أفــــــلام مسـلسـلات
كـفُّ البَصـر وِجْـهـة نَـظَــر

1989م

سـمع هـس

2012م

قاهـر الظـلام

1978م

الكـيت كـات

1991م

أمـير الظـلام

2002م

الأيــام

1979م

إعاقات حركية الأسطىٰ حسن

1952م

أقوى من الحب

1954م

صُــمٌ وبُـكـــمٌ رصيف نمرة 5

1956م

الخـرساء

1961م

الأخـرس

1980م

الصـرخـة

1991م

إعـاقة ذهـنيـة تـوت تـوت

1993م

مبروك وبلبل

1998م

ليلة القبض

على فاطمة

1984م

ســـــــارة

2005م

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وبرغم قِدم فن المسرح؛ فإني لا أتذكر أية مسرحية تناولت قضية الإعاقة أو شخوصها، سوىٰ مسرحية “وِجْهة نظر” بطولة محمد صبحي، التي جاءت في قالب كوميدي؛ متناولة بؤس مجموعة من فاقدي البصر مع إدارة الدار التي يُقيمون فيها.

أما بالنسبة لفن السينما: فإن تاريخ السينما المصرية – ومنذ بداياتها – يُسجِّل عددًا من الأفلام جعلت من المعاقين شخصيات محورية تدور حولها أحداث الفِلْم.. ومن أوائلها فِلْم “الأسطى حسن” الذي جرىٰ فيه تجسيد شخصية شخص معاق حركيًّا؛ حيث أدى حسين رياض دور الرجل المشلول الذي تخونه زوجته.. مما يضطره في النهاية للقيام بقتلها. وربما كانت تلك محاولة من صُنَّاع الفِلْم لتفهم شعور تلك الفئة من المعاقين، وإحساسهم بالقهر؛ بسبب العجز الذي يعانون منه.

وبعد عامين؛ طُرح في دور العرض السينمائية  فِلْم “أقوىٰ من الحب”؛ بطولة عماد حمدي الذي جسَّد فيه شخصية (مجدي) الذي تعرَّض لحادث أثناء عمله بالبوليس فَـقَـدَ على إثره ذراعه اليسرىٰ، وأحالته جهة عمله للاستيداع؛ فاضطربت أحواله المادية.. وكان يرفض إنفاق زوجته الطبيبة علىٰ البيت والأولاد، وقد جسَّدت شخصية الزوجة مديحة يسري. كما أن البطل (مجدي) عانىٰ أيضًا من انشغال زوجته بعملها وأبحاثها العلمية وترقِّيها الوظيفي؛ في الوقت الذي كان هو يشعر بالفراغ والعجز!

ومن خلال سير الأحداث؛ يتذكَّر مجدي هوايته القديمة للرسم والألوان؛ فيقوم بتنميتها ويتقدم لعرض إحدىٰ لوحاته بأحد المعارض؛ فتنال تقدير الزائرين. ويُشجعه مدير المعرض ويطلب منه رسم لوحة زيتية  ليشارك بها في إحدىٰ المسابقات؛ فتَلْقىٰ لوحتُه إعجابَ الزائرين ويتم بيعُها بمبلغ كبير.

تنفتح أمام مجدي أبواب الأمل من جديد، ويغادره اليأس الذى كان قد أصابه منذ وقوع الحادث، ويَصير فنانًا شهيرًا، تتناول الصحف أخباره وأعماله الفنية.

وفي رأيي أن هذا نموذج جيد – وإن لم يتكرر سينمائيًّا – لتجسيد حياة شخصٍ لم يستسلم لإعاقته، وحوَّلها إلىٰ طاقة نجاح، وواصل رحلته في الحياة من دون يأس.

بعد هذا الطرح بعامين؛ يجيء فِلْم “رصيف نمرة 5″؛ الذي يُعَدُّ من أوائل الأفلام المصرية التي جرىٰ فيها تجسيد شخصية امرأة من الصُم والبُكم. والفِلْم يتناول قصة الشاويش (خميس) الذي تُقتل زوجته، وتكون (بهانة) جارته المعاقة هي الشاهدة الوحيدة التي رأت القاتل. وربما جاء اختيار شخصية بهانة البكماء؛ بهدف إحكام الحبكة الدرامية لسيناريو الفِلْم.. غير أن ذلك كان فيه إشارة لتلك الفئة التي تعيش معنا في المجتمع.

وبعد خمس سنوات على شخصية (بهانة)؛ يُعَرض في دور العرض فِلْم باسم: “الخرساء”؛ ليكون أول فِلْم سينمائي يأتي اسمه حاملا صراحة مُسمَّى إحدىٰ الإعاقات المنتشرة في المجتمع. ويتناول الفِلْم شخصية فتاة من الصُّم والبُكم.. ممن تعارف المجتمع قديمًا على نعتهم بالخُـرْس!

وقد برعت سميرة أحمد في تجسيد شخصية (نعيمة) الفتاة الخرساء في قرية للصيادين على شاطيء بحيرة المنزلة؛ التي قام أحد الأشقياء باغتصابها دون أن تتحقق هي من شخصيته، وتظهر عليها علامات الحَمل. لكن الخرساء في النهاية تعرِفُ شخصية مغتصبها؛ وتقوم بطعنه بالسكين.

وربما يُعدُّ هذا أول عمل فني فيه استدرارٌ لعاطفة المشاهدين تجاه تلك الفئة، ولفتٌ لانتباه المجتمع لما يواجهه ذوو الاحتياجات الخاصة من معاناة كبيرة فى حياتهم!

تَمرُّ أكثر من ثلاثين عامًا على عَرض فِلْم “الخرساء”؛ ثم يظهر فِلْمٌ آخر متناولا التيمة نفسها. الفِلْم الجديد ظهر تحت اسم: “توت توت”؛ وفيه جسَّدت نبيلة عبيد دور(كريمة) الفتاة المعاقة ذهنيًّا، التي تعيش في الشارع بلا ملجأ. ويَعرض الفِلْم استغلال الناس لها ولجسدها الذي جرىٰ الاعتداء عليه؛ لتحمل وتُنجبَ طفلا تعيشُ به في الشارع!

الدراما التلِڨزيونية أيضًا اهتمت بفئة المعاقين ذهنيًّا؛ فقد جرىٰ عرض مسلسل “سارة”. وقد برعت حنان ترك في تقديم شخصية فتاة توقَّف نِموُّها العقليُّ عند مرحلة الطفولة، وتعاني من عدم قدرتها على التواصل مع العالم مِن حولها.

ومن الأفلام السينمائية الحديثة نسبيًّا التي جعلت قضية الإعاقة محورًا أساسيًّا للعمل، ووضعت أصحابها في دائرة الضوء.. فِلْم “الصرخة”؛ بطولة نور الشريف، وشاركته البطولة فتاة حقيقية من الصم والبكم؛ هي أمل الصاوي (إحدى فتيات الصم والبُكم)، وخريجة معهد السمع والكلام بإمبابة، وقد جسَّدت شخصيتها الحقيقيَّة في الفِلْم؛ كفتاة صمَّاء كانت تعمل في ورشة ملابس وأحبت زميلها في العمل (عمر) الشاب الأبكم.

وفي رأيي؛ فإن فِلْم “الصرخة” يُعَـدُّ أحد أهم الأعمال الفنية القليلة التي سلِّطت الضوء على قضايا ذوي الاحتياجات الخاصة، وجسَّدتْ معاناتهم. وللحقِّ؛ فإن صُنَّاعَه قد قاموا بخطوة جريئة بدخولهم إلى عالمٍ لم يهتم به كثيرون من المنتجين الفنيين.

.. بعد العرض السابق؛ أستطيعُ القولَ: إن الفن لم يُنصف تلك الفئة المهمة من فئات المجتمع، وإن الأعمال الفنية التي جرىٰ عرضُها؛ لم تقترب منهم إنسانيًّا، ولم تَعرض مشاكلهم أو تُعبِّر عن مشاعرهم بشكل حقيقي.. بل على العكس؛ جاء المعاق – في الكثير من الأعمال الفنية – في صورة شخص بركة، وربما عبيط، أو مصدرًا للفكاهة والسخرية داخل العمل الفني!

نعم: جاء تجسيد شخصيات ذوي الاحتياجات الخاصة في الأعمال الفنية؛ أقل جدًّا من حضورهم في الواقع. كما أن صناع الفن؛ لم يتناولوا الإعاقة باعتبارها تلفًا يُصَابُ به بعض البشر – بلا ذنب منهم – مما يتسبَّبُ في تعطل جزء من الجسد. وبرغم ذلك؛ فإن هناك مئات النماذج التي تغلبت بالإرادة والإصرار على هذا التلف، وواصلت طريقها في الحياة بنجاح لافت!

فهل ينتبه صُنَّاع الفن لهؤلاء؟ وهل يبادر أحدُ المنتجين الآن بتقديم عمل فني يرصد معاناة تلك الفئات وأُسرِهم.. متناولا نجاحاتهم ونضالهم في الحياة، ومدافعًا عن قضاياهم؟ خاصة أن الدولة من جانبها لم تتوان في تقديم العديد من المبادرات لدعم حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، لدرجة أن رئيس الجمهورية نفسَه كثيرًا ما يَلتقيهم في المؤتمرات والفعاليات على مرأىٰ ومسمع من العالم؛ بل إنه سبق لسيادته أن جعل من عام 2018م.. عامًا لدعم حقوق المعاقين في المجتمع.

متابعة أخبار موقع نساعد عبر  google news اضغط هنـــــــــــا ، صفحة موقع نساعد على الفيسبوك اضغط هنـــــــــا  وموقع تويتر اضغط هنــــــــــــــا 

اقرأ أيضًا 

ذوي الاحتياجات الخاصة .. كيف يستفيد أصحاب الهمم من قرار وزيرة الصناعة 2021؟

بطاقة الخدمات المتكاملة 2021 ..رابط الاستعلام عن صدور الكارت الذكي للمعاقين

مقالات ذات صلة

ما تعليقك على هذا الموضوع ؟ ضعه هنا

زر الذهاب إلى الأعلى