سلايدراخبار دولية

” كراوتهاوزن” الملهم.. مصمم خريطة المسافرين مستخدمي الكراسي المتحركة

الألماني كراوتهاوزن من على كرسيه المتحرك: أُحب حياتي كما هي

 

ترجمة وإعداد: يسـرا عبد الله

عندما نسمع عن شخصٍ معاق؛ فإن أول ما يتبادر إلى أذهاننا هو: كيفية مساعدته؟ فالشائع هو: أن الأشخاص  ذوي الاحتياجات الخاصة  يحتاجون إلى العون من المجتمع الذي يعيشون فيه.. لكنّ الألماني “راؤول كراوتهاوزن” استطاع أن يُغيِّر تلك القناعة.

فلم يكتف “راؤول” بالتعايش مع إعاقته فقط، إنما عمل أيضًا على إفادة غيره مِمَّن يستخدمون الكراسي المتحركة؛ حيث تمكَّن من تصميم خريطة كان لها دور بالغ في سرعة تنقل الأشخاص ذوي الإعاقة عبر الطرق في جميع أنحاء ألمانيا.

عام 1980م وُلِد “راؤول كراوتهاوزن” في پيرو بأمريكا اللاتينية؛ لكنه نشأ وعاش في العاصمة الألمانية پرلين. ومنذ مولده؛ وهو يعانى من مرضٍ نادر يُسمَّى “العظام الزجاجية” الذي تسبَّب في جعل جسده لا ينمو بشكل طبيعي، كما اضطره للحياة فوق كرسي متحرك.

ولأنه يعيش في مدينة كبيرة، وهناك العديد من الأماكن التي ليس سهلاً الذهاب إليها علي  كرسي متحرك.. بالإضافة إلى أنه يحتاج  إلى مزيد من الوقت للوصول إلى بعض الطرق وكثيرًا ما يتأخر، بسبب  احتياجه إلى طلب مساعدة الآخرين؛ فقد كان هذا مبعث ضيق له.

ولذا فإنه قرر أن يعيشَ حياته بشكل مستقل، وسعيد ونَشِط.. ودون الاضطرار إلى قول “شكرًا” مرارًا وتكرارًا لمن يتطوعون بتقديم خِدْمات له! وقد اتخذ “كراوتهاوزن” لنفسه مبدأً يحيا عليه؛ وهو: التصرف الفعَّال أفضل من المشاهدة السلبية، والانغماس مع المجتمع أكثر نجاحًا من الاختباء وحيدًا!

درس “كراوتهاوزن” تكنولوچيا التواصل الاجتماعي والتجاري؛ من أجل تشكيل مستقبله والنهوض به وتحسين واقعه، وتخصَّص في الميديا والإنترنت. وفي كتاب له تناول فيه سيرته الذاتية صدر في العام 2014م؛ تحت عنوان: “الحياة من منظور الكراسي المتحركة”؛ يقول: “أنا أعيش الآن، وبدلاً من الأسف أو التوق لأي شيء؛ فإنني أفكر في المستقبل أكثر من الماضي، وأعتقد أن هناك شيئًا حقيقيًّا بشأنه”. يواصل: “لا أسمح لنفسي بالتوتر ولا أفكر كثيرًا فيما ينقصني”.

عُرف “كراوتهاوزن” بأنه ناشط حقوقي؛ يسعي وراء حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، ويطالب بأن تكون هناك أماكن متاحة لمستخدمي الكراسي المتحركة في المطاعم ودور السينما والمسارح وغيرها من المباني. كما عمل مديرًا لأحد البرامج في محطة راديو “آر بي بي ڨِريتز”، وقام بتطوير حملة “من أجل جائزة نوبل البديلة”. وفي عام 2004م؛ أسس جمعية “الأبطال الاجتماعيين” التي لا تهدف إلى الربح.

وفي عام 2010م؛ ظهرت الخريطة التي قام بتصميمها على شبكة الإنترنت من خلال موقع خاص بها هو: “Wheelmap.org”؛ وهي خريطة تفاعلية للأماكن التي يُمكن للمعاق الوصول إليها عبر كرسي متحرك.

تُقدِّم الخريطة خدمة مهمة للمسافرين الذين يستخدمون الكراسي المتحركة؛ حيث تُبيِّن لهم قرابة 970 ألف مكان بمختلف أنحاء العالم؛ قرابة 600 ألف مكان منها موجودة في ألمانيا وحدَها. والخارطة متوافرة بـ 25 لغة.

وبالدخول على موقع الخريطة؛ يُمكن للمعاق تحديد موقعه لإرشاده بسرعة إلى أقرب مقهى أو حمَّام يُناسب ظروفه؛ باعتباره من مستخدمي الكراسي المتحركة. ويجري توسيع الخريطة وتحديثها يوميًّا؛ بِنَاءً على تقديم المستخدمين المزيد من المعلومات حول المواقع المختلفة باستمرار.

وتقديرًا لجهوده؛ فقد منحه الرئيس الألماني عام 2013م وسام الاستحقاق الڨِدرالي. ومنذ عام 2015م؛ يُقدِّم برنامجًا حواريًّا في قناة تلِڨزيونية بعنوان: “كراوتهاوزن – وجهًا لوجه”؛ يتناول فيه ثقافة الإدماج. كما يُلقي محاضرات بانتظام في الاجتماعات والمؤتمرات وورش العمل.

كانت وسائل إعلام قد لقبته بـ”الرجل ذو القُـبَّعة”. فعلق على ذلك بقوله: “أنا مسرور لأنني أخيرًا ذُكِرتُ من دون أوصاف أخرى؛ مثل: مُستخدِم كرسي متحرك، أو إعاقة”! لكنه قال في مقابلة صحفية: “إن مصطلح “معاق” ليس مشكلة لي في حد ذاته، وكلمة “معاق” هي أولاً وصف واقعي لحالتي، ولا أستطيع ولا أريد أن أَنفي إعاقتي.. إنها بلا شك ميزة مُلفتة للنظر.. لكنها ليست الشيءَ الأكثر أهمية”.

يضيف: “أنا أيضًا أُعرِّف نفسي بأنني معاق؛ لأنني ببساطة كذلك. فعندما أقول: أنا معاق؛ فليس هذا من قبيل الشفقة على الذات، وليس اعترافًًا بالضعف؛ بل هو إقرار بحقيقة”. يتابع: “أنا لست مريضًا، لمجرد أنني أعاني من إعاقة.. وعلى سبيل المثال: فإذا أصبتُُ بكسر أحد عظامي؛ فعندئذ أصبح مريضًا بالفعل.. وأحتاج إلى وقت حتى أتعافى، وأرجع بصحة جيدة مرة أخرى. لكن الاختلافات الجينيًة لعظامي والإعاقة الناتجة عنها لا شفاء منها، وحتى لو طلبتُ من شركة التأمين الصحي الخاصة بي علاجي؛ فإن إعاقتي ستبقى، ولا يمكن علاجها.. ولن أستطيع تعلم المشي ولن تكون قامتي أطول من ذلك”!

وفي شجاعة يُحسَد عليها؛ يقول: “أعلم أن لديَّ موارد محدودة القوة، وأشعر أحيانًا بالعبء.. فهناك ببساطة أشياء لا يُمكنني فعلها؛ لأنني معاق.. لكني أحب حياتي كما هي، ولا تستوقفني عبارة: شخص معاق.. والحق أنني لا أشعر بكوني معاقًا؛ إلا حينما تمنعني القوانين من تطوير حياتي بحرية كما أرغب. أو عند عدم تمكني من الوصول إلى هدفٍ أريده.. فوقتها أشعر أنني مُقيَّد بشكل دائم في فرصي للتنمية، وفي أمنياتي وأحلامي”.

وتتمثل كل مطالب “كراوتهاوزن” في الإدماج. وهو يرفض تقسيم الأشخاص إلى: ذوي إعاقة، أو أشخاص عاديين. ويرفض عزل الأشخاص ذوي الإعاقة في المدارس أو ورش العمل.. فمن رأيه: “أنه يجب ألا نقوم بتصنيف هؤلاء الأشخاص بشكل منهجي ونعاملهم باستمرار كشيء خاص؛ لأنه سيكون من الغريب أو المختلف دائمًا إقامة علاقة مع مثل هذا الشخص. ولكن إذا ذهب الأشخاص الذين يعانون من إعاقات، والآخرون الأسوياء إلى رياض الأطفال نفسها؛ فإنهم سينمون معًا، وسيكون ذلك الأمر.. هو الأكثر طبيعية في العالم. ومن ثَمَّ قد تنجح هذه العلاقات”.

في عام 2016م؛ قام “راؤول كراوتهاوزن”، مع قرابة 20 آخرين من مستخدمي الكراسي المتحركة، بتقييد أنفسهم على “نهر شبريه” في برلين؛ احتجاجًا على قوانين ڨدرالية رآها تَحدُّ من مشاركة ذوي الاعاقات المختلفة في المجتمع.

على الصفحة الإلكترونية الخاصة بجمعية “الأبطال الاجتماعيين”، التي أسسها عبارة بارزة في أعلى الصفحة تقول: “لا يكفي أن تكونَ لديك فكرة فحسب؛ بل تحتاجُ أيضًا إلى القوة والصبر لتنفيذها”. ولما سُـئل: هل تُسمِّي نفسَك بطلاً بطريقة ما؟ أجاب: “نعم، يمكن لأي شخص أن يكون بطلاً؛ لأن البطل يتميز بحقيقة أنه ليس لديه أي أعذار”.

(النص مترجم عن موقعي صحيفتي: “رولينج بلانت”، و”دويتشه ڨيله”). 

2 3

مقالات ذات صلة

ما تعليقك على هذا الموضوع ؟ ضعه هنا

زر الذهاب إلى الأعلى