قصتي

الرافعي الأصم الموهوب .. “الثقة بالله أزكي أمل والتوكل عليه أوفى عمل”

فقد حاسة السمع، فرزقه الله بموهبة جعلت الجميع يردد كلامه ومقولاته أثناء حياته وبعد رحيله، كتب عن الحب والجمال، فأثرى المكتبة العربية بخليط من قوة اللغة وبلاغة الكتابة، وكتب تحت راية القرآن فعبر وكشف بإحساس أديب بارع عن معجزة البلاغة في كتاب الله، وكتب رسائل الأحزان فعبر بثقة عن ألم مكبوت، لم يمنعه من التوكل على الله ليسطر أعمال خالدة في تاريخ الشعر والأدب العربي.

ولد مصطفى صادق الرافعي، في ربيع الأول عام 1297هـ الموافق يناير 1880م، في بهتيم إحدى قرى محافظة القليوبية بجمهورية مصر العربية، وكان مولود لأبوين سوريين.

وصل إلى مصر من عائلته طائفة كبيرة وعملوا بالقضاء، وكان ذلك على مذهب الإمام الأكبر أبي حنيفة النعمان حتى أنه وصل بهم الأمر في وقت من الأوقات اجتمع منهم بالقضاء المصري في مختلف المحاكم أربعون قاضيًا، وتقلد والده رئاسة العديد من المحاكم في الكثير من الأقاليم في مصر ، وظل طوال حياته متقلدًا لتلك الوظيفة حتى وفاته ، وأما والدته فكانت من عائلة تدعى عائلة الطوخي وكان أصلها من حلب وقدمت إلى مصر واشتهر أفرادها بالاشتغال بالتجارة .

مسيرته:

وكان والده يهيئه لحياة عملية مثمرة فتم إلحاقه بالتعليم حتى أتم المرحلة الابتدائية، لكنه لم ينجح في إكمال المرحلة الثانوية، وذلك  بسبب الحمى التي أصابته، وكانت السبب في إصابته بالصمم حتى أصبح في سن الثلاثين معزولًا عن العالم الخارجي .

انصرف إلى مكتبة أبيه والتي كانت عامرة بكتب التراث العربي، فكان يقضي أوقاته ينهل منها بالقراءة والدرس، وأتاح له ذلك أن يتعرف الأدب العربي ونماذجه الفريدة وعلى تاريخ الأمة ورجالها.

بدأ حياته الأدبية شاعرًا حيث كان متطلعًا أن يكون له مكانة مرموقة بين الشعراء العظام، وكان ينشر شعره في مجلات كانت ذائعة الصيت في ذلك الوقت ومنها : الضياء والهلال ، كان في الثالثة والعشرين من عمره عندما تم إصدار أول ديوان له ، وتم نشر مقدمته في الصفحة الأولى لمجلة المؤيد ، ولقي الكثير من الاستحسان والتقدير حتى أن الشيخ إبراهيم اليازجي أشاد به كثيرًا عندما علم أن كاتبه في هذا السن اليافع .

وتدفقت شاعريته حتى أتم جزئيين أخريين من ديوانه، ثم انصرف إلى النثر وميدانه الذي لا يعرف قيودًا من القوافي والأوزان ، ولكنه لم يترك الشعر نهائيًا فقد كان يعود إليه من حين لآخر حتى اختير شاعرًا للملك فؤاد ، وبرز في مجال الأناشيد الوطنية حتى أصبح نشيده اسلمي يا مصر النشيد القومي .

وبعد أن أُنشئت الجامعة المصرية الأهلية كتب مقالة ينعي فيها الجامعة، في بعض مناهجها في تدريس الدب وتاريخه، وكان من شأن ذلك أن أعلنت الجامعة عن مسابقة لتأليف كتاب في تاريخ الأدب وحددت عامين مدة الانتهاء من تأليف الكتاب ورصدت جائزة مالية مكافأة للكاتب .

وألف كتاب، وعمل عليه حتى أنجزه قبل الموعد المطلوب للمسابقة، ثم طبعه على نفقته ولم يتقدم به لمسابقة الجامعة، وقد تناول في كتابه تاريخ اللغة ، ونشأتها وتفرعها وما يتصل بذلك ، وتاريخ الرواية ، ومشاهير الرواة .

وكان الكتاب جيدًا في موضوعه، عميقًا فيما تناول من قضايا، غزيرًا في مادته العملية، ولفت الأنظار إليه وإلى مؤلفه المتمكن من أدواته، وواسع الإطلاع .

ولم يكن ذلك الكتاب فقط هو حصيلته في حياته ، ولكن كانت حياته زاخرة بالتأليف والمؤلفات فمن مؤلفاته أيضًا : حديث القمر ، المساكين ، رسائل الأحزان ، السحاب الأحمر ، على السفود ، أوراق الورد .

 

وفاته :

ظل حتى آخر حياته متيقظ العقل ، متوهج الفكر ، لا يشكو من علة معقدة أو مرض يلزمه الفراش حتى استيقظ في فجر يوم الاثنين 28  من صفر عام 1356هـ الموافق 10 من مايو عام 1937م ؛ فتوضأ وصلى ثم جلس يقرأ القرآن الكريم ، وشعر باضطراب في معدته فأعطاه ابنه الدكتور محمد دواء وطلب منه النوم والراحة .

وعندما استيقظ وبينما هو في طريقه إلى الحمام سقط مسلمًا الروح بعد عمر يناهز السابعة والخمسين عامًا، وكان في ذلك الوقت مازال يعمل كاتبًا في المحكمة، وهو العمل الذي بدأ به حياته تاركًا لنا تراثًا خالدًا وذكرى عطرة .

مقالات ذات صلة

ما تعليقك على هذا الموضوع ؟ ضعه هنا

زر الذهاب إلى الأعلى